تعاني الدول المصدرة للنفط كثيراً عندما ينخفض سعر النفط من "صدمات التجارة الخارجية السلبية (Terms of Trade Shocks)." وسبب المعاناة هو انها تعتمد على تصدير سلعة واحدة تكاد تكون، أو انها في الغالب، المصدر الوحيد للدخل كما في حالة العراق. وبما ان قائمة الاجور والمعاشات كبيرة جداً لان اغلب العاملين هم موظفون في الدولة وان سعر الصرف مقابل الدولار ثابت، فان هبوط اسعار النفط بشكل كبير ومفاجيء يؤدي الى انخفاض الدخل (الناتج المحلي). فعلى سبيل المثال انخفض سعر النفط الى حوالي 33 دولار امريكي الشهر الماضي. وبما ان سعر الصرف الثابت هو دولار واحد يساوي 1,192.54دينارعراقي تقريباً، اذاً سعر البرميل بالدينار العراقي حوالي 39,353.82 دينار. أنخفضت عائدات النفط في العراق الى حوالي النصف مؤخراً!
ما هو الحل
لمجابهة التغيرات المفاجئة في سعر النفط؟ هناك سياستين معروفتين لكلٍ منهما فوائد
ومضار. الحل الاولى هي خفض الاجور وشد الاحزمة على البطون – سياسة تقشفية. هذه
سياسة يمكن ان يكون لها مردود سيء على الحالة المعيشية للناس وربما تؤدي الى تذمر
شامل وعصيان مدني...الخ بالاضافة التى التدهور الاقتصادي الكلي. والحل الاخر هو
الامثل والاصعب، ربما لذلك تتهرب اغلب الحكومات منه، هذا الحل يكمن في سياستين
تتعلقان بنظام سعر الصرف.
ألاولى، هي استهداف / تثبيت السعر المناسب للنفط
ولكن بالعملة المحلية (الدينار). لنفترض ان الحكومة العراقية تريد ان تحقق سعر ثابت
لبرميل النفط 100,000.00 دينار على سبيل المثال بدلاً من 39,353.82
ولا تريد
أن تأبه لتغير سعر النفط بالدولارأبداً. كيف تحقق هذا؟ في هذه الحالة تعلن الحكومة
للملأ انها تريد ان يكون سعر البرميل ثابت = 100,000.00 دينار مهما كان سعره
العالمي بالدولار. اذا سعر الصرف الذي يحقق 100,000.00هو 100,000/33= 3,030.3 دينارً لكل دولار امريكي. أي على قيمة العملة أن تنخفض
لكي يتحقق سعر النفط المطلوب بالدينارالعراقي. في هذه الحالة تحافظ الحكومة على
الدخل بالدينار وبدون تأثير على ميزانية الدولة.
ان هذه
السياسة لها فوائد عديدة. أولاً استقرار في الدخل والميزانية. ثانياً ان تغيرات
سعر النفط لا تؤثر على الميزانية والمواطنين.
ثالثاً تقلل الطلب المحلي على الدولار. رابعاً يعمل سعر الصرف المتغير على امتصاص
الصدمات بحيث يتأثر ولا يؤثرعلى الاقتصاد. ولكن هذه السياسة قد تؤدي الى زيادة
الاسعار المحلية (اسعار السلع والخدمات) وربما تؤدي الى تضخم نقدي وذلك لان الاسعار
والاجور بالدينار العراقي يجب أن ترتفع أيضا بما يناسب انخفاض قيمة العملةً بحيث
تبقى القيمة الحقيقية ثابتة. ولكن في نفس الوقت يعطي تعويم العملة بهذا
الشكل البنك المركزي القدرة على اتباع سياسات لمعالجة التضخم.
يعتبر مقدار تغير الاجور والاسعار والسرعة التي تتم فيها
تعديل الاجور وتغير الاسعارالمسألة الاساسية والاهم في هذه التجربة. يفترض ان تكون
هناك دراسة لقياس سرعة وحجم التغير في الاسعار والاجور نتيجةً لتغير سعر الصرف (The Pass-Through Effect).على سبيل المثال، اذا كان سعر الصرف قد تغير بمقدار 150% مثلاً (أي انخفضت
قيمة الدينار 150نسبةً للدولار 150%) وان العلاقة بين الاسعار والاجور من جهة وبين
سعر الصرف من جهة اخرى هي 1:1 ، فالاجور والاسعار يجب ان ترتفع 150% أيضاً.
أما
السياسة الثانية فتدعوا الى تثبيت سعر الصرف الى سلة تحتوي على الدولار الامريكي واليورو
وسعر النفط أيضاً. أي اضافة سعر النفط الى سلة العملات.فبدلاً من تثبيت سعر الصرف
نسبةً للدولار، تُثبت العملة نسبةً للدولار واليورو وسعر النفط بالدولار.
جيفري فرانكل (جامعة هارفارد) هو مؤلف هاتين
السياستين.[1]
وقد حاولَ الترويج لها بدون نتيجة فقد صمت دول الخليج اذانها لها. وقامت جمعية
الاقتصاديين الكويتية باستضافته في الكويت قبل عدة سنوات لعرض هذه المقترحات الا
انه لم يفلح بجذب انتباه السياسيين وبقي الدينار الكويتي مروبطاً بسلة من العملات (
ربما يشكل الدولار النسبة الكبرى فيها). ولكن دول الخليج تعتقد ان لديها خزين
احتياطي تستخدمه عند الحاجة ولحين انتهاء أزمات انخفاض اسعار النفط وهذا يغنيها عن الدخول في
سياسات سعر الصرف العائم وما يترتب عليها من تبعات هي في غنى عنها.
أما
العراق فيختلف عن دول الخليج من هذه الناحية. فالعراق ليس لديه صندوق احتياطي. انه
يعتمد كلياً على النفط.
أتباع
السياسة الثانية – أي سياسة تثبيت سعر الصرف الى سلة من العملات من ضمنها سعر
النفط – لا يحتاج الى سياسة خاصة لمعالجة التضخم النقدي لان سعر الصرف لا يزال
ثابت. أما أذا ما اتبعت السياسة الاولى، فهناك سياسيات عديدة للتصدي للتضخم ولكنها
في الحقيقية تحتاج الى كفاءة عالية للبنك المركزي لذلك تخشى كل الدول الخليجية من
تعويم العملة لانها تفتح الباب لهذه السياسات. مصر على سبيل المثال مضت في هذا
الطريق وكذلك المغرب. فقد قاموا بتعويم العملة ولكنهما ليسا دولتين نفطيتين.
من السياسات التي تستهدف السيطرة على التضخم
النقدي مثلاً واكثرها سهولة هو تثبيت معدل نمو النقد المطروح للتداول. أو اخرى
أكثر تعقيداً وهي قيام البنك المركزي بتحديد سعر الفائدة كما يجري في معظم دول
العالم اليوم والذي يحدد سعر فائدة عند اقتراض البنوك التجارية من بعضها من اجل
اتمام التسويات المصرفية (Overnight Interbank Interest Rate). أو استهداف معدل نمو الناتج المحلي
الاسمي. هذه السياسات لا تختلف كلياً من حيث النتائج اذا ما كان معدل دوران النقد
(Velocity of Money) دالة مستقرة مع تغير سعر الفائدة. بالامكان أيضاً اتباع سياسة لاستهداف الاسعار
بدلاً من التضخم النقدي والتي تعمل على الحفاظ على استقرارالاسعار ذاتها وليس
التغير في الاسعار.